"شتاء بيروت" يصدر بيانا معارضا موحدا
نكئ الجراح واحتفالات والخليج يسأل الأسد

بهاء الدين وسعد الحريري يعزيان بغلاييني في منزله (وائل اللادقي)
فداء عيتاني من بيروت: مع العثور على جثة المواطن اللبناني المفقود منذ لحظة مقتل رفيق الحريري في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير الماضي، عادت الدموع إلى "شتاء بيروت" الذي كان قد اختتم منذ السلسلة البشرية ليوم السبت الماضي مسيرة الدموع، واسقطها مع سقوط الحكومة، وتحول مثوى رفيق الحريري إلى مكان لتلاوة الصلوات، بينما كانت الساحة القريبة والتي باتت تعرف باسم "ساحة الحرية" قد تحولت إلى ساحة لرفع الاعلام الوطنية، ولاطلاق الخطابات السياسية وتجميع الحشود في كل ليلة في اطار ما بات يشبه كرنفال احتفالي متواصل. بينما كانت اطراف المعارضة تجتمع بناء لدعوة مسبقة في منزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب الدرزي وليد جنبلاط لتصدر موقفا موحدا يشكل برنامج مطالبها للمرحلة المقبلة.

ولكن اكتشاف رفات المواطن عبد الحميد غلاييني اعاد شتاء بيروت إلى لحظة اغتيال رفيق الحريري، والى الاعتصام أمام مكان الانفجار الذي اودى بحياة الحريري وغلايني، الذي كان يمر من المنطقة في اطار نزهته اليومية هناك، وبعد العثور عليه تجمع آلاف من المواطنين، تلبية لدعوة عائلة غلاييني لتلاوة الفاتحة عن روحه، وانضمت زوجة المواطن الذي بقي حيا تحت الانقاض لمدة 12 ساعة قبل ان يموت مختنقا نتيجة اهمال البحث عن الناجين في المنطقة بعد الانفجار، وهو المواطن زاهي ابو رجيلي.

خلال البحث عن جثة غلاييني
من ناحية اخرى اكدت مصادر خليجية، فضلت عدم تحديد هويتها، لـ"إيلاف" ان الرئيس السوري بشار الاسد "بحاجة إلى معالجة جدية لمصداقيته السياسية" أمام العديد من الاطراف الخليجية، معتبرة ان الجو العام لدى السلطات الخليجية يشير إلى فقدان الاسد لهذه المصداقية، خاصة بعد ان توسطوا له عدة مرات لفتح قنوات ايجابية للحوار بينه وبين واشنطن، مؤكدة ان المعنيين خاصة بفتح هذه الاقنية كانت المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، اضافة إلى دول خليجية اخرى.

ويضيف المصدر ان مطلب معرفة الحقيقة حول عملية اغتيال رفيق الحريري، ومن يقف وراء هذه العملية، هو مطلب جدي وليس الملطوب معرفة الاشخاص المنفذين، بل "القاتل الحقيقي والفعلي" للحريري، دون ان يكون لديهم يقين من ان الاسد يملك معلومات محددة عن الأمر.

وتضيف هذه المصادر خشيتها من ان ياتي الاسد للقاء الخليجيين في ظل "شرذمة سورية داخلية" حيث، ودائما بحسب هذه المصادر، بات من الملاحظ لدى الدول الخليجية ان "البيت السوري الداخلي – العميق – غير موحد حاليا".

العثور على الجثة

ظهرا توجه افراد من عائلة غلاييني إلى ساحة الانفجار، كانت العائلة قد قامت بالمستحيل للعثور على جثة الرجل، ويوم الثلاثاء نفذت اعتصاما أمام الحاجز الامني الذي يعزل منطقة الانفجار مانعا دخول المدنيين، وبعد هذا الاعتصام سمح للعائلة بالدخول إلى المنطقة، وتم العثور على الجثة مطمورة تحت عشرة سنتيمترات من الرمل الذي قذفه الانفجار، كانت الجثة تحمل الهاتف الخليوي، الذي طالما حاولت العائلة متابعة الاجراءات القانونية، ومنذ اللحظة الاولى لفقدانها عبد الحميد، لتسمح لها الدولة وشركة الهاتف بتتبع الخط الخليوي (المحمول) الذي كان لا يزال يعمل بعد حصول الانفجار بساعات، ولم يتم الاهتمام بطلب العائلة، وتقول ابنة القتيل عبر شاشات التلفزة بان القاضية التي استلمت الورقة الرسمية، نفت وصول الورقة اليها، وطالبت العائلة بالقيام "بواسطة" للتمكن من الحصول على موافقة الشركة بتتبع الخط الهاتفي، وهو ما يخالف القانون اللبناني.

وبعد العثور على الجثة توافد إلى منزل الفقيد عدد من المعزين على رأسهم بهاء الدين الحريري نجل رفيق الحريري الذي اكد وقوفه إلى جانب العائلة "كما وقفت بيروت ولبنان إلى جانبنا" بعد مقتل الحريري، كما توافد عدد من نواب بيروت بشكل خاص.

ودعت العائلة إلى اعتصام واضاءة شموع في مكان الانفجار ليلا، حيث ستتم تلاوة الفاتحة عن روح عبد الحميد غلاييني، كما عادت ودعت زوجة زاهي ابو رجيلي إلى التجمع في نفس المكان لتلاوة صلاة عن روح ابو رجيلي الذي قضى في الانفجار نفسه.

وطوال النهار كان ثمة لغط حول اسباب الوفاة وهل حصلت مباشرة نتيجة الانفجار ام ان الرجل قضى مختنقا بعد ساعات كما حصل مع ابو رجيلي، وتحول النقاش إلى شهادات لاطباء رسميين سواء الذين كلفتهم قوى الامن بالكشف على الجثة، او الذين كلفتهم العائلة بالامر. وعادت الاتهامات تطاول السلطة بالتقصير والاهمال اللذين اديا إلى مقتل ابو رجيلي وربما غلاييني أيضا.

حزن واحتفال

وليلا عند الساعة السابعة بتوقيت بيروت (الخامسة بتوقيت غرينتش) توافد حوالي الفي شخص من اللبنانيين إلى مكان الانفجار الذي اغلقته القوى الامنية، فوقف الحشد أمام الحواجز الحديدية حيث تلا كاهن صلاة عن روح ابو رجيلي، وراح جزء من الحشد يردد بعد الكاهن "يا رب ارحم، يا رب ارحم"، قبل ان يهتف شخص من بين الحاضرين الفاتحة، فيتلو الحشد الفاتحة بصوت مرتفع. ومن ثم دعت العائلة المفجوعة إلى المشاركة بتشييع الغلاييني، قبل ان يردد الحشد نداء يطالب بمعرفة الحقيقة حول الجناة، بينما تجول شبان وشابات ليجمعوا توقيع الحاضرين للمطالبة بلجنة تحقيق دولية، في عريضة موجهة إلى الامم المتحدة، وكانت زوجة ابو رجيلي تبكي وهي توقع على العريضة وتقول "نعم أريد ان اعرف الجناة".

ومن ساحة الشهداء او "ساحة الحرية" يصل وفد من بضعة مئات من الشبان للمشاركة بالاعتصام قبل ان ينفض التجمع ويعود البعض إلى ساحة الحرية لمتابعة احتفالات واحتجاجات "شتاء بيروت" وسط احتشاد الالاف ككل ليلة، ووسط الاعلام اللبنانية التي اصبحت تنتشر في كل الشوارع في بيروت وعلى شرفات كل المنازل وعلى العديد من السيارات التي تعبر المناطق في مزيج بين الاحتفال وبين التحريض على المشاركة في الاعتصام الدائم لقوى المعارضة.

بيان المعارضة

واصدرت المعارضة اللبنانية بمختلف تشكيلاتها بيانا ضمنته مطالبها السياسية، حيث حددت مطالبها قبل تشكيل حكومة جديدة وابرزها مطالبة الاسد باعلان سحب قواته واجهزة مخابراته من لبنان، واستقالة رؤساء الاجهزة الامنية اللبنانية لمعرفة حقيقة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

وجاء في بيان صدر في ختام اجتماع عقدته مختلف فصائلها في منزل وليد جنبلاط في المختارة في منطقة الشوف الجبلية "ان الخطوة التي تعتبرها المعارضة في صلب مطالبها تتمثل بانسحاب كامل للجيش السوري والمخابرات. هذه الخطوة باتت تستدعي استجابة سورية عبر اعلان رسمي صادر عن رئيس الجمهورية بانسحاب القوات العسكرية والمخابرات".

واكدت المعارضة اجماع اللبنانيين على "تأمين خروج مشرف للجيش السوري" متعهدة "ان لبنان من موقع انتمائه العربي الراسخ سيقيم افضل علاقات الاخوة والتعاون والصداقة وانه سيستمر في دعم وحماية مصالحها المشروعة".

كما شددت المعارضة على ضرورة استقالة مسؤولي الاجهزة الامنية من اجل كشف الحقيقة في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير في عملية تفجير كبيرة في وسط بيروت.

وقالت "من منطلق الحرص على معرفة الحقيقة وازالة الحواجز امام التحقيق، تطالب المعارضة باستقالة فورية لمدعي عام التمييز بالاصالة القاضي عدنان عضوم" والذي يشغل منصب وزير العدل في الحكومة المستقيلة.

وطالبت باستقالة فورية لمسؤولي ستة اجهزة امنية هي "مدير عام الامن العام اللواء الركن المتقاعد جميل السيد، مدير عام امن الدولة اللواء الركن المتقاعد ادوار منصور، مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء علي الحاج، مدير مخابرات الجيش العميد الركن ريمون عازار، قائد لواء الحرس الجمهوري العميد الركن مصطفى حمدان، رئيس جهاز التنصت في مخابرات الجيش العقيد غسان طفيلي".

وذكرت بان حكومة عمر كرامي التي استقالت تحت ضغط نواب المعارضة والاحتجاجات الشعبية "لم تكن منذ البدء سوى غطاء سياسي للنظام الامني المفروض على البلاد منذ سنوات طويلة".

واوضحت المعارضة ان تحقيق هذه المطالب "يشكل البداية في اخراج البلاد من النفق المظلم الذي دفعته اليه السلطة".

وذكرت بمطالبتها "تشكيل حكومة انتقالية تعمل على انهاء نظام الوصاية والتبعية واعادة توليد سلطة وطنية عبر انتخابات حرة ونزيهة تعيد للشعب اللبناني سيادته الوطنية وحقه في تكوين مؤسساته الدستورية على القاعدة التي توافق عليها اللبنانيون في اتفاق الطائف".

من ناحية اخرى، اكدت المعارضة رغبتها بالحوار الداخلي انما مع اطراف تمثل اللبنانيين تمثيلا حقيقيا.

وقالت "ان المعارضة اذ تعلن تمسكها بهذه المنطلقات لحل الازمة، تؤكد انفتاحها على سائر القوى السياسية ذات التمثيل الشعبي الحقيقي والارادة الحرة وغير الخاضعة لاجهزة المخابرات".

ودعت المعارضة اللبنانيين من جميع الاجيال الى "الاستمرار في الاعتصام المسائي اليومي في ساحة الشهداء ساحة الحرية" حيث تتواصل الاعتصامات منذ مواراة الحريري الثرى في ساحة الشهداء.

من ناحيته اكد النائب احمد فتفت الذي قرأ البيان ان المعارضة ستشارك في الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة بوفد مصغر يحمل مطالبها.

وقال ردا على سؤال "ناقشنا موضوع الاستشارات. عندما تحدد السلطة توقيت الاستشارات ستشارك المعارضة بوفد موحد مصغر من نائبين".

واضاف "سنقدم للسلطات بيانا بهذه المطالب التي هي اساس المشاركة في اي شيء مقبل"